التحرك نحو الشام:
كان الحسن بن علي لا يحبُّ القتال، فلما تولَّى الخلافة رغِب في الكفِّ عن القتال، وحقن الدماء، وعدم الدخول في معارك بين المسلمين، لكنَّ أهل العراق أصرُّوا على قتال أهل الشام وعلى رَدِّ الإمارة إلى العراق، وثاروا كعادتهم عليه ، واجتمعت الألوف المؤلَّفة على أمر قتال أهل الشام، والقتال وإن كان له تأويل شرعي، إلا أنَّ فيه مخالفة للإمام، وقد خَشِيَ الحسن من فتنة مخالفة كل هذه الجموع، فخرج على رأس جيش لقتال أهل الشام وهو كارهٌ لهذا الأمر، وعَلِمَ معاوية بخروجه فخرج له بجيشه.
وعند اقتراب الجيشيْن كان الصراع شديدًا في داخل نفس الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فهو غير راغب في القتال، ويريد أن يحقن دماء المسلمين، فأرسل رسائل إلى معاوية بن أبي سفيان يطلب منه أن يرجع عن رأيه، ويدخل في جماعة المسلمين ويبايعه على الخلافة، لكن معاوية كان يرى أنَّ هذه فرصته التي ربما لا تتكرَّر لأخذ الثأر من قتلة عثمان بعد أن يكون أميرًا على جميع المسلمين، وكان جيش العراق القادم مع الحسن بن علي جيشًا ضخمًا كبيرًا، وخاصَّة بعد أن قُتل النصف من جيش معاوية في موقعة صفِّين، وكانوا راغبين في القتال، وقد بايعوا الحسن على الموت.
وعندما رأى معاوية ضخامة جيش الحسن ، قرَّر أن يرسل رسوليْن للمحاورة والمشاورة، فأرسل إليه عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر، فذهبا إليه وجلسا معه.
فقال الحسن : إن هذه الأمة قد عاثت في دمائها.
فقال له الرسولان: إنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويُسالمك.
فقال الحسن : فمن لي بهذا؟
فقالا له: نحن لك بهذا. فسُرَّ بذاك الحسن، وكان يرغب في هذا الأمر[121].
تنازل الحسن عن الخلافة :
قرَّر الحسن بن علي بن أبي طالب أن يقوم بخطوة من أخطر الخطوات في تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة، وهي خطوة جريئة لا يُقْدِم عليها إلاَّ رجل ذو نفس طاهرة طيِّبَة كالحسن ، فقرَّر أن يتنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان ، وهو راضٍ تمامًا، وهو في غاية القوَّة، فقد كان جيشه يَفُوقُ جيش الشام بكثير، وكان باستطاعته أن يُبِيد جيش الشام عن آخره، ولكنَّه أراد أن يحقن الدماء بتنازله عن الخلافة لمعاوية .
فأرسل الحسن رسالة إلى معاوية بتنازله عن الخلافة على أن تُحقن دماء المسلمين، وعلى أن ترجع الجيوش دون قتال ودون حرب, وبهذا أصبح معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين الشرعي بعد الحسن بن عليٍّ ، الذي ظلَّ أميرًا شرعيًّا للمسلمين مدَّة ستَّة أشهر.
وصدق فيه حديث أبي بَكْرَةَ الذي قال فيه: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[122]
0 التعليقات:
إرسال تعليق