فقال عبد الله بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد كراهية أن يُشْغَبَ[92] عليه، وأبى هو إلاّ المسجد، فلما دخل المسجد جاء المهاجرون والأنصار فبايعوا وبايع الناس[93]. ولولا إسراع بيعته
لأدَّى ذلك إلى فتنٍ واختلافات في جميع الأمصار، فكان من مصلحة المسلمين أن يَقْبَل عليٌّ البيعة مهما كانت الظروف المحيطة بها.
لقد كان مقتل عثمان
سببًا مباشرًا في خَلْقِ أزمةِ فتنةٍ كبرى، تضاربت فيها الآراء وتباينت فيها وجهات النظر، واختلفت الاجتهادات في الوسيلة للانتقام من الخوارج الذين قتلوا عثمان
.
فقد رأت طائفة من الصحابة أن أوَّل واجب على الأُمَّة هو الثأر لخليفتها الشهيد والقِصاص من القتلة الآثمين، ورأى آخرون أن أول ما ينبغي هو اجتماع الكلمة، واسْتِتْبَاب الأمن، والصبر حتى تهدأ الأحوال وتنكشف ذيول المؤامرة، ثم يكون استئصال شأفتها وقطع دابر دواعيها.
ورأت طائفة ثالثة أن يُؤثروا العافية، وألاّ يكونوا طرفًا في أي نزاع، فبدأ الخلاف بين عليٍّ
وطلحة والزبير والسيدة عائشة y جميعًا؛ بسبب التعجيل بالقِصاص من قتلة عثمان، ولم يكن خروجهم إلى البصرة إلا لهذا الغرض.
ثم تحرَّك معهم سبعمائة رجل من أهل مكة والمدينة، انضمَّ إليهم بعض المؤيِّدين حتى وصل عددهم ثلاثة آلاف[94]، بحثًا عن مكان مناسب وأكثر بعدًا عن نفوذ الخلافة، فاتَّجهت أنظارهم إلى البصرة، فحثُّوا أهلها على مساعدتهم في معاقبة قتلة عثمان
.
وانقسم مجتمع البصرة إلى قسمين؛ قسم قاتل مع عليٍّ وساند والِيَه عثمان بن حُنَيْف، وقسم آخر تعاطف مع طلحة والزبير وعائشة
، ونتيجة لذلك انهزم عثمان بن حُنَيْف والِيَ البصرة، وتمَّ الاستيلاء على البصرة وقُبض على واليها، وزُجَّ في السجن، ولكن عائشة -رضي الله عنها- تدخَّلت وأطلقت سراحه[95].
0 التعليقات:
إرسال تعليق