الخميس، 4 سبتمبر 2014

فتنه الخوارج على خلافه ذى النورين واستشهاده رضى الله عنه وارضاه _ الخلفاء الراشدين

بدأت بوادر الفتنة في الظهور في أواخر عهده  على يَدِ يهودي يُسَمَّى "عبد الله بن سبأ"، وكان أوَّلُ ظهوره في اليمن عام (30هـ), حيث أظهر الإسلام, ولكنَّه طعن فيه بما تَلقَّاهُ من تعاليم المجوسية, فأخذ يتنقَّل بين بلاد المسلمين ناشرًا أفكاره وآراءه, فذهب إلى الحجاز, ومنها إلى العراق, فالبصرة فتبعه الأشتر النَّخَعِيُّ, وحُكَيْم بن جَبَلَة, ثمَّ انتقل ابنُ سبأ إلى مصر، ووجد في مصر مناخًا مناسبًا لأفكاره؛ لأن معظم المجاهدين خرجوا إلى الفتوحات في ليبيا, وآخرين في السودان، ومَن كان موجودًا إنما هم قِلَّة من المسلمين, فاستطاع ابن سبأ أن يجمع حوله قِلَّةً من الناس, واستقرَّ في مصر, وكان لدى ابن سبأ عدد من الأفكار والعقائد الأساسيَّة التي كان يبثُّها في أتباعه, ويدعو إليها وينشرها, فمن ذلك: (عقيدة الرجعة) المأخوذة عن المجوسية, والتي يدَّعي فيها عودة محمد  بعد موته, وكذلك (عقيدة الوصاية)، ويزعم فيها أنَّ أمر النبوَّة منذ آدم  وحتى محمد  بالوصاية، ويدَّعي فيها أيضًا أن النبي  قد أوصي بالأمر لعليٍّ , وأَخَذ يُرسل بذلك إلى أهل الأمصار المختلفة[81].
فتبعه المنافقون والطـامعون في الإمـارة والموتورون، الذين أقام الخليفة الحدَّ على أحدهم, فقاموا ضدَّه, وتبعه كذلك الجهلة من المسلمين، فبدأ هؤلاء الطعن في الأمراء, ثم وصل إلى الطعن في الخليفة نفسه, وأعدَّ ابن سبأ قائمة بالطعون في عثمان ، وأرسلها إلى الأمصار والبُلدان, ووصل الأمر إلى أمراء المسلمين, وإلى الخليفة , فأرسل مجموعة من الصحابة يفقِّهون الناس, ويعلِّمونهم, ويدفعون عنهم هذه الشبهات, فأرسل محمد بن مَسْلَمَة إلى الكوفة, وأسامة بن زيد إلى البصرة, وعمَّار بن ياسر إلى مصر, وعبد الله بن عمر إلى الشام[82].
وكان أهل الشام أقلَّ الناس تأثُّرًا بهذه الفتنة، لأن معاوية  كان يَسُوس الناس بحكمة وحلم، فأحبَّه الناس حبًّا شديدًا, وظهرت الفتنة لأوَّل مرَّة بصورة علنية في الكوفة سنة (33 هـ)، فقد جمع الأشتر النَّخَعي حوله مجموعة من الرجال تسعة أو عشَرة, وبدأ يتحدَّث جهارًا نهارًا عن مطاعن يأخذها على عثمان ، كلها مطاعن زورٍ وبهتان[83].
فأرسل عثمان  إلى وُلاته كي يستشيرهم في أمر هذه الفتنة, فأرسل إلى معاوية بن أبي سفيان واليه على الشام, وإلى عبد الله بن عامر واليه على البصرة, وسعيد بن العاص واليه على الكوفة, وعبد الله بن أبي سرح واليه على مصر, وجاءوا جميعًا إلى عثمان  بالمدينة, وبعد أن عرض عليهم الموقف فأشار عبد الله بن عامر أن يشغل الناس بالجهاد حتى لا يتفرَّغوا لهذه الأمور, وأشار سعيد بن العاص باستئصال شأفة المفسدين وقطع دابرهم, وأشار معاوية  بأن يُرَدَّ كلُّ والٍ إلى مصره فيكفيك أمره, أما عبد الله بن أبي سرح فكان رأيه أن يتألَّفهم بالمال، وقد جمع عثمان  في معالجة هذا الأمر بين كل هذه الآراء, فأخرج بعض الجيوش للغزو, وأعطى المال لبعض الناس, وكلَّف كلَّ والٍ بمسئوليَّته عن مصره, ولكنه لم يستأصل شأفتهم[84].

اشتعال الفتنة:

أراد رءوس الفتنة أن يُشعِلوا الأمر أكثر وأكثر, حتى يجتثُّوا الدولة الإسلاميَّة من جذورها, فبدءوا يُكثرون الطعن على عثمان، ويكتبون هذه المطاعن المكذوبة والمفتراة, ويُرسلونها إلى الأقطار مُوَقَّعَةً بأسماء الصحابة افتراء على الصحابة, فيُوَقِّعُون الرسائل باسم طلحة بن عبيد الله, والزبير بن العوام, والسيدة عائشة [85].
وكان الثوَّار قد جمعوا أنفسهم من البصرة, والكوفة, ومصر, وبدءوا في التوجُّه ناحية المدينة المنوَّرة, واتَّفقوا على عزل عثمان ، واختلفوا فيمن يتولَّى الخلافة بعده, فأرادها أهل مصر لعليِّ بن أبي طالب ، في حين أرادها أهل الكوفة للزبير بن العوام ، وأرادها أهل البصرة لطلحة بن عبيد الله، فلمَّا وصلوا المدينة -وعلم المسلمون بقدومهم لهذا الأمر- أرسل عثمان  لكلِّ فرقة منهم مَن أرادوه خليفة, فذهب عليٌّ لفرقة أهل مصر فزجرهم وعنَّفهم, وقال لهم: لقد علم الصالحون أنكم ملعونون على لسان محمد ، فارجعوا لا صبَّحكم الله[86].
وفعل مثله صاحباه طلحة والزبير رضي الله عنهما, فطلب الثوَّار من الثلاثة مقابلة الخليفة لعرض شكواهم عليه, فدخلوا المدينة, والْتَقَوْا بأمير المؤمنين عثمان , وأخذوا يُناقشونه فيما أخذوه عليه, ثم أخذوا يَعُدُّونَ عليه المآخذ, وهو يردُّ عليهم ويفنِّد[87] مزاعمهم.
وبعد أن انتهَوْا من حوارهم قال لهم عثمان : ماذا تريدون؟ قالوا: المنفيُّ يعود, والمحروم يُعطَى, وتَسْتَعْمِلُ ذوي الأمانة والقوَّة، وأن تَعْدل في القسمة. فوافقهم  على ما قالوا، وكتب ذلك في كتابٍ, وشرط عليهم عثمان  ألاّ يشقُّوا له عصًا, ولا يُفَرِّقوا جماعة المسلمين, وأعطَوْه عهدًا بذلك، وخرجوا من المدينة راضِين، وظنَّ المسلمون في المدينة أن الفتنة قد خمدت, وبات المسلمون ليلة سعيدة بعد خِضَمِّ أحداث عظيمة استمرَّت شهورًا.

حصار عثمان:

ولكن الفتنة لم تُخْمَد بتحقيق المطالب؛ ذلك لأن قادة الفتنة لم يكونوا في الحقيقة طالبين للحقِّ, وإنما متآمرين للفتنة, وللتفريق بين المسلمين, من هنا ما إن بدأت الفِرَقُ في العودة حتى انتشرت بعض الرسائل الملفَّقة, منها رسالة مع الفرقة القادمة من مصر, بأن عثمان  أَمَر بقتل محمد بن أبي بكر , وأَمَر والِيَه على مصر بقتل رءوس الفتنة, فعاد رءوس الفتنة إلى المدينة من جديد، وحاصروا عثمان  في بيته, وعندما وجد عثمان  أن الأمر قد وصل إلى هذا الحدِّ, وأن اللين لن يُجدي مع هؤلاء؛ كتب  رسائل إلى ولاته في الأمصار أن يرسلوا إليه بالجيوش لحلِّ هذه الأزمة, فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان بالشام, وإلى أبي موسى الأشعري  بالكوفة، وإلى والي البصرة, ولكن فكرة قتل الخليفة لم تكن قد ظهرت بعدُ, بل ما يطلبونه هو عزله, ولم يُصرِّحوا بكلمة القتل مطلقًا 
ولكنَّهم اقتحموا داره ، فدخل عليه كنانة بن بشر -الملعون- وحمل السيف وضربه به، فمات شهيدًا  يوم 18 من ذي الحجة 35هـ

0 التعليقات:

إرسال تعليق