بايع الناس أبا بكر في المسجد -بعد بيعة قادة المهاجرين والأنصار له في سقيفة بني ساعدة- فقام أبو بكر خطيبًا في الناس ليُعْلِن عن منهجه، فبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال: أما بعد، أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإنْ أحسنتُ فأعينوني، وإنْ أسأتُ فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله[6].
ونجح المسلمون -الأنصار والمهاجرون- في أوَّل امتحان لهم بعد وفاة الرسول، فقد احترموا مبدأ الشورى، وتمسَّكوا بالمبادئ الإسلاميَّة، فقادوا سفينتهم إلى شاطئ الأمان.
وكان الإسلام في عهد النبي قد بدأ ينتشر بعد السنة السادسة للهجرة، وبعد هزيمة هوازن وثقيف[7] بدأت الوفود تَرِد إلى الرسول معلنة إسلامها، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، وقلَّ عدد المشركين الذين يعبدون الأصنام، لكنَّ بعض الذين دخلوا في الإسلام كان منهم ضعاف الإيمان، ولم يكن الإيمان قد استقرَّ في قلوبهم، فلم يدخلوا في الإسلام إلا انبهارًا بسيطرة المسلمين على الجزيرة العربيَّة، ومنهم مَن جاء رغبة في المال والغنائم، والارتباط بالقوَّة الأُولَى الجديدة في الجزيرة، ومنهم مَن جاء خوفًا من قوَّة المسلمين، ومنهم مَن جاء لا رغبة ولا خوفًا، ولكن اتِّباعًا لزعمائهم وقادتهم، فَسَاقهم زعماؤهم كالقطيع، فدخلوا في دين لا يعرفون حدوده، ولا فروضه، ولا تكاليفه، ولم يفقهوا حقيقة الرسول وحقيقة الرسالة، ولم يعيشوا مع القرآن ولا مع السُّنَّة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق